الكونغ فو.. رياضة أطفال غزة الأولى

غزة - يتجه عدد متزايد من أطفال غزة إلى التدريب على الرياضات القتالية العنيفة منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، في ظاهرة عزاها اختصاصيون نفسيون إلى الرغبة في تفريغ العنف الكامن لديهم منذ الحرب، وتحقيق شعور بالقوة والأمان في ظل عجزهم أمام آلة الحرب الإسرائيلية.

ويقول صالح المصري (تسعة أعوام) بينما يقف على قطع من الزجاج المكسر ضمن تدريبات رياضية في نادي "التنين الأحمر" في بلدة بيت لاهيا: "هذه الرياضة تجعلني قويا لأدافع عن نفسي وأهلي ووطني من اليهود".



ويضيف الطفل النحيل الذي يرتدي بزة كونغ فو حمراء: "هربنا في الحرب من منزلنا خوفا من القصف، ولكن بعد أن عدنا إليه أصبحت آتي إلى هذا النادي كل يوم لأتدرب كي أصبح قويا ولا أشعر بالخوف من أحد".

فيما يقول نشأت أبو هربيد (تسعة أعوام): "لن يستطيع أحد إيذاءنا بعد أن نصبح أبطالا في الكونغ فو.. الجميع سيخاف منا لأننا أقوياء وشجعان".

ويلتفت أبو هربيد باهتمام إلى زميله صالح السوالجة (15 عاما)، الذي استلقى بجسده على لوحة خشبية ثبتت عليها عشرات المسامير الحديدية الحادة وعلى صدره يقف اثنان من زملائه وسط تصفيق من عشرات الأطفال المتدربين.

ويقول السوالجة وهو يستعد للاستلقاء على مجموعة من السكاكين الكبيرة: إن رياضة "الكونغ فو تقوي الجسد وتعزز الثقة بالنفس وتجعلني قادرا على حماية نفسي من أي شيء كان".

تعوض النقص

أما الفتى أسامة درابيه، الذي يمارس الكونغ فو منذ ثلاثة أعوام، فيقول بإصرار: إن "هذه الألعاب خطيرة"، موضحا أن "إصابات وحوادث وقعت للبعض أثناء التدريب، ولكننا نتدرب جيدا، فنحن نحبها لأنها تريحنا وتفرغ طاقاتنا ونشاطنا".

ويوضح الفتى، الذي يعصب جبينه برابطة سوداء: "ألعب الكونغ فو منذ ثلاثة أعوام تقريبا، لكني أصبحت أمارسها يوميا بعد الحرب إثر ما رأيناه فيها، فكل منا أصبح يشعر أنه في خطر".

ويضيف، وقد حان دوره لمواجهة زميل له: إن "الكثيرين انضموا إلى النادي بعد الحرب وجميع الأطفال في منطقتي يحبون هذه اللعبة؛ لأنها تقوي الجسم والثقة بالنفس وتعوض النقص الذي نعانيه من الاحتلال".

بدوره، يؤكد حلمي مطر -مدرب نادي "التنين الأحمر" المجهز بمعدات بسيطة وأرضيته من الرمل- أن "الإقبال على اللعبة ازداد عدة أضعاف بعد الحرب".. ويوضح أن "طاقة الطلاب بعد الحرب أكبر بكثير.. فالطلاب يأتون إلى النادي يوميا وبساعات طويلة، ولكل طالب حصتان أو ثلاث في الأسبوع فقط".

ويشير إلى أن "أعمار الطلاب في النادي تتراوح بين سبع سنوات و18 سنة فقط؛ لأننا لا نشارك في بطولات اللعبة، بل إنها مجرد ترفيه".

تقليل العنف

ويرى الطبيب إياد السراج مدير برنامج غزة للصحة النفسية إن الإقبال على هذا النوع من الرياضات التي كانت غائبة عن غزة، يرجع إلى "الآثار النفسية للحرب على الأطفال"، ودامت الحرب ما بين 27 ديسمبر و18 يناير الماضيين، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 1400 فلسطيني وجرح 5400 آخرين، نصفهم تقريبا من الأطفال والنساء، حسب إحصاءات فلسطينية.

ويضيف أن "الطفل اختزن كمية هائلة من العنف في الحرب، وغير قادر على التعبير عنها، خصوصا بعد أن شعر أن أحدا من أهله لم يكن قادرا على حمايته"، ويتابع: إن "العنف يولد العنف، فالأطفال يحاولون إخراج هذه الطاقات التي اكتسبوها من خلال ألعاب عنيفة يختارونها لتتوافق مع واقعهم ولتمنحهم شعورا بالقوة و الأمان".

ويوافقه الاختصاصي النفسي سمير زقوت الرأي موضحا أن "الحرب كانت سببا رئيسيا في انتشار هذه الألعاب في غزة"، ويضيف أن هذه الألعاب "لم تكن منتشرة قبل الحرب، لكن الصدمات التي تعرض لها الأطفال جعلتهم يميلون إلى العنف أكثر حتى في الرياضة".

ويعتقد زقوت أنه على أصحاب النوادي "التقليل من العنف لدى الأطفال لا زيادته"، مشددا على أن "الرياضة وسيلة من وسائل التفريغ؛ لذلك يجب ألا نجعلها وسيلة لزيادة معدل العنف. يكفي أطفال غزة ما يعانونه من الحصار" الإسرائيلي منذ يونيو 2007